فصل: تفسير الآية رقم (67):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير آيات الأحكام



.تفسير الآية رقم (122):

قال الله تعالى: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (122)}.
{فَلَوْلا} للتحضيض، وهي داخلة هنا على الماضي، فتفيد التوبيخ والتنديد على ترك الفعل فيما مضى، والأمر به في المستقبل.
والفرقة والطائفة بمعنى، لكنّ سياق الكلام هنا، و{مِنْ} التبعيضية، يقتضيان أنّ المراد بالفرقة هنا الجماعة الكثيرة، وأن الطائفة جماعة أقل من الفرقة المرادة هنا.
وعن السلف في سبب نزول هذه الآية روايتان:
فروى الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الله تعالى لما شدّد على المتخلفين قالوا: لا يتخلف منا أحد عن جيش أو سرية أبدا، ففعلوا ذلك، وبقي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحده، ونزل قوله تعالى: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا} الآية.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد أنه قال: إنّ ناسا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خرجوا في البوادي، فأصابوا من الناس معروفا، ومن الخصب ما ينتفعون به، ودعوا من وجدوا من الناس إلى الهدى، فقال لهم الناس: ما نراكم إلا قد تركتم أصحابكم وجئتمونا، فوجدوا في أنفسهم من ذلك تحرّجا، وأقبلوا من البادية كلهم حتى دخلوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية: {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا} إلخ.
هاتان روايتان مختلفتان في سبب النزول، فرواية ابن عباس تجعل النفر المنهي عنه هو نفر المؤمنين جميعا للجهاد. نهوا عن ذلك لما يترتب عليه من الإخلال بالتعلم، فكما أنّ الجهاد فرض في الدين، كذلك تلقي العلم عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وأخذ الأحكام المتجددة عنه فرض من فروض الدين، فلا ينبغي أن يكون في إقامة أحد الفرضين، إخلال بالآخر ومن الميسور أن نجمع بين الفرضين ونؤدّي كلّا من الواجبين، وطريق ذلك أن تنفر للجهاد طائفة من كل فرقة، وتبقى طائفة أخرى تتفقه في الدين، وتسمع من الرسول صلّى الله عليه وسلّم، حتى إذا رجع إليهم إخوانهم من الغزو، علموهم ما تلقوه من أحكام الدين. وعلى هذا المعنى: لا يكون قوله تعالى: {لِيَتَفَقَّهُوا} متعلقا بنفر، لأن النفر للجهاد ليس علة في التفقه.
وإنما هو متعلق بفعل مفهوم من الكلام، إذ المعنى لتنفر من كل فرقة طائفة وتبقى طائفة ليتفقهوا في الدين، فضمير يتفقهوا وينذروا يعود إلى الطائفة الباقية.
ورواية مجاهد تجعل النفر المنهي عنه هو خروجهم جميعا لطلب العلم والتفقه في الدين، نهوا عن ذلك لما فيه من الإخلال بتعاطي أسباب الكسب والابتغاء من فضل الله وخيره بالتجارة والزراعة ووسائل الكسب، فكما أنّ طلب العلم ومعرفة الحلال والحرام من فرائض الدين، كذلك ابتغاء فضل الله بهذه الوسائل من فرائض الدين، فلا ينبغي أن تكون إحدى العبادتين سببا في الإخلال بالأخرى، والجمع بينهما ميسور بأن تنفر من كل فرقة طائفة لتتفقه في الدين، وتعلّم قومها إذا رجعت إليهم، وهذا المعنى هو مقتضى ظاهر الآية، واتساقها، فإنّ النفر على هذا المعنى يكون علة للتفقه في الدين، والطائفة النافرة هي التي تتفقه في الدين، وهي التي تنذر قومها إذا رجعت إليهم. لكن يعكر على هذا المعنى أنّ الآية تكون منقطعة عما قبلها، فإنّ ما قبلها وارد في شأن الجهاد والغزو في سبيل الله، ونصرة دينه، إلا أن يقال: إنه سبحانه وتعالى لما بيّن وجوب الهجرة والجهاد، وكل منهما سفر لعبادة، ناسب ذلك أن يذكر السفر الآخر وهو الهجرة لطلب العلم والتفقه في الدين، والآية على كلا الرأيين تدلّ على أن التفقه في الدين من فروض الكفاية.
وما روي عن أنس بن مالك أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «طلب العلم فريضة على كل مسلم».
فعلى تسليم صحته يكون محمولا على ما يتوقف عليه أداء الفرائض، فمن لا يعرف حدود الصلاة ومواقيتها فحتم عليه أن يتعلمها، وكذلك الزكاة والصوم والحج وسائر الفروض.
أما ما سوى ذلك من الأحكام الدينية التي لا تتوقف عليها صحة عبادته فتعلمها فرض على الكفاية، إذا قام به بعض المسلمين سقط عن الباقين.
وتدلّ الآية أيضا على أنّ خبر الواحد حجة، لأنّ الطائفة مأمورة بالإنذار، والإنذار يقتضي فعل المأمور به، وإلا لم يكن إنذارا، ولأنّه سبحانه أمر القوم بالحذر عند الإنذار، لأن معنى قوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} ليحذروا.
وليس الاستدلال بالآية على حجية خبر الواحد متوقفا على أنّ الطائفة تصدق على الواحد الذي هو مبدأ الأعداد، بل يكفي في ذلك صدقها على ما لم يبلغ حدّ التواتر.
وقوله تعالى: {مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ} عام يقتضي أن ينفر من كل جماعة تفردوا بقرية- قلوا أو كثروا- طائفة.
وكان الظاهر أن يقال بدل {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} ليعلّموا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يفقهون، لكنه اختير ما في النظم الجليل للإشارة إلى أنّه ينبغي أن يكون غرض المعلّم الإرشاد والإنذار، وغرض المتعلم اكتساب الخشية لا التبسط والاستكبار.
قال حجة الإسلام الغزالي رحمه الله: كان اسم الفقه في العصر الأول اسما لعلم الآخرة، ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال، وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا، وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة، واستيلاء الخوف على القلب، ويدل عليه هذه الآية، فما به الإنذار والتخويف هو الفقه، دون تعريفات الطلاق واللعان والسلم والإجارات.
وسأل فرقد السبخي الحسن عن شيء فأجابه فقال: إن الفقهاء يخالفونك، فقال الحسن: ثكلتك أمك! هل رأيت فقيها بعينك، إنما الفقيه الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، البصير بدينه، المداوم على عبادة ربه، الورع الكافّ عن أعراض المسلمين، العفيف عن أموالهم، الناصح لجماعتهم، ولم يقل في جميع ذلك الحافظ لفروع الفتاوى اهـ.

.تفسير الآية رقم (123):

قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)}.
الغلظة: الشدة في القتال والعنف في القتل والأسر ونحو ذلك.
وروي عن الحسن أنّ هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5].
والمحققون على أنه لا نسخ إذ لا تعارض بين هذه الآية والآيات التي زعمها الحسن ناسخة. فقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} ورد في الأمر بقتال المشركين جميعا في أي مكان كانوا. والآية التي معنا للإرشاد، ورسم الخطة المثلى في قتل الكفار، إذ من المعلوم أنه لا يمكن قتال جميع الكفار، وغزو جميع البلاد في وقت واحد، فكان أحسن الخطط في قتالهم البدء بقتال الأقرب فالأقرب، حتى يصلوا إلى الأبعد فالأبعد، وبذلك يحصل الغرض من قتال المشركين كافّة.
وقوله تعالى: {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} ليس المقصود به أمر الكفار بأن يجدوا في المؤمنين غلظة، بل المراد أمر المؤمنين بالاتصاف بالغلظة على الكفار، حتى يجدهم الكفار متصفين بذلك.
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} بالعصمة والنصر.
وإذا كان المراد بالمتقين المخاطبين كان التعبير بالمظهر بدل الضمير للتنصيص على أنّ الإيمان والقتال على الوجه المذكور من باب التقوى، والشهادة بكونهم من زمرة المتقين.
وإذا كان المراد بالمتقين الجنس كان المخاطبون داخلين فيه دخولا أوليا، والكلام تعليل وتوكيد لما قبله، أي قاتلوهم، وأغلظوا عليهم، ولا تخافوهم، لأنّ الله معكم، أو لأنّكم متقون، والله مع المتقين.

.من سورة النحل:

.تفسير الآية رقم (67):

قال الله تعالى: {وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)}.
ويجوز أن يكون متعلقا بقوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ}، والسكر في الأصل مصدر سكر يضم ويفتح كالرشد والرشد، وقد اختلف السلف في تأويل السكر والرزق الحسن، فروي عن الحسن وسعيد بن جبير السكر: ما حرم منه، والرزق الحسن ما حل منه.
وروي عن جماعة منهم النخعي والشعبي أن السكر خمر، وعن ابن شبرمة أنه خمر إلا أنه من التمر. وقد فهم هؤلاء من الامتنان باتخاذه حلّه في الأصل، ثم قالوا: هو منسوخ بتحريم الخمر.
وروي عن ابن عباس نحو قول الأولين الذين قالوا: السكر المحرم، والرزق الحسن الحلال.
وروي عنه أيضا أنّ السّكر النبيذ، والرزق الحسن الزبيب، وقد يتعلق الحنفية في الاستدلال لأبي حنيفة بهذه الآية في تحليل قليل المسكر من غير الخمر، ويقولون: إنّ الله امتن على عباده باتخاذ السّكر من ثمرات النخيل والأعناب، ولا يقع الامتنان إلا بمحلّل، فيكون ذلك دليلا على جواز شرب ما دون المسكر من النبيذ، فإذا وصل إلى السكر لم يجز.
ويعضّدون هذا من السنة بما روي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «حرّم الله الخمر بعينها:
القليل منها والكثير. والسّكر من كل شراب»
، وأنت تعلم أن الاستدلال بالامتنان في الآية لا ينهض، فإنه إن كانت الآية قبل تحريم الخمر فهي تدل على أنها غير مرغوب فيها، إذ قد جعل الله السكر غير الرزق الحسن، وذلك كاف في تقبيحها.
وقد روي أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال عند نزول هذه الآية: «إنّ ربكم ليقدم في تحريم الخمر»، على أنّ الآية قد جمع فيها بين اتخاذ السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب، فيجوز أن يكون ذلك جمعا بين العتاب في اتخاذ السكر، والامتنان بالرزق الحسن، ويكون المعنى: أتتخذون منه سكرا ورزقا حسنا.
وإن كانت بعد التحريم ففي مقابلة السكر بالرزق الحسن ما يرده إلى المحرم، ويكون ذلك تقريعا شديدا لمن يقدم عليه.
والحاصل أنّا نرى أن الآية ليس فيها ما يشهد بالحل، إذ الكلام في الامتنان بخلق الأشياء لمنافع الإنسان، ولم تنحصر المنافع في حل التناول، فقد قال الله في شأن الخمر: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219] فهل انحصرت منافع السكر على فرض أنه النبيذ في الشرب؟
{إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ستعملون عقولهم بالنظر والتأمل، فيعلمون أن ربهم بهم رءوف رحيم، وأنه يجب أن يخصّ بالعبادة وحده.